زواج الأقارب من الأمور المتعارف عليها في مجتمعنا العربي، يفضل كثير من الأفراد في المجتمعات العربية الزواج من أقاربهم لعدة أسباب عديدة أهمها؛ الرغبة في زيادة نسبة الترابط الأسري، وكذلك ضمان استمرار نسل أسرتهم من جيناتهم نفسها فإذا كان الرجل والمرأة قريبَين فإنّ جيناتهما تكون متماثلة.
ومن هنا تنطلق المشكلة الكبرى؛ فالأزواج الذين يحملون الجينات نفسها تزيد لديهم نسبة خطر الإصابة بالأمراض والاضطرابات الوراثية التي ينتج عنها نشوء أفراد مصابين بأمراض مختلفة؛ سواء عقلية أم نفسية أم جسدية.
تشكل رابطة الدم بين الزوجين خطرًا كبيرًا على المجتمع؛ فنشوء أفراد مصابين من هذا الزواج يؤثر على مستوى التنمية المجتمعية لأن المجتمع يحتاج إلى أفراد أصحاء؛ لزيادة الإنتاج ورفع مستوى الاقتصاد في الدولة، مما يؤكد على أن زيادة معدلات هذا النوع من الزواج يرفع مؤشرات الخطر في المجتمع والبلاد.
يضاف إلى ما سبق أن الأسرة ذاتها ستتضرر بشكل كبير عند إصابة أحد أبنائها، إذ ستضطر إلى إلحاقة في المؤسسات الاجتماعية لرعايته ودفع تكاليف العلاج والرعاية، ودفع تكاليف احتياجاته المادية المختلفة أيضا، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التكاليف المادية على الأسرة والإخلال بوضعها الاقتصادي.
ولا يقتصر الضرر الذي تتعرض له الأسرة على الضرر المادي، بل يمتد إلى الضرر المعنوي، فمن الصعب على أفراد الأسرة رؤية أحدهم يعاني من الأمراض التي أصيب بها عن طريق الوراثة، إضافة إلى شعور الوالدين بالذنب لإصابة أحد أبنائهما بمرض وراثي، فيشعرون بأنهما السبب بهذا المرض وينجرفان وراء الأفكار السلبية التي تؤدي بهما إلى دوامة الأمراض النفسية والعصبية. وهناك احتمال كبير بانبثاق المشكلات بين الزوجين؛ نتيجة للتفريغ النفسي الصادر من أحدهما أو كلاهما.
وعند رؤية الابناء لوالديهم بهذه الحالة النفسية التي يمرون بها يشعرون بالقلق والخوف والتوتر وعدم الاستقرار والأمن، فتظهر هذه المشاعر السلبية على هيئة أمراض نفسية وعصبية. ومن الممكن أن تأخذ هذه المشاكل الناشئة بين الوالدين منعطفًا آخر قد ينتهي بالطلاق وتشتت بقية الأبناء ونشوئهم في جو يسوده التفكك والحزن والضغوط النفسية نتيجة للظروف التي تمر بها أسرتهم.
يعدّ العرف الاجتماعي عاملًا مهمًا في هذا النوع من الزواج؛ فكثير من الأسر تفضل زيجات الأقارب نتيجة لعادات وتقاليد وثقافة المجتمع المحيط بها، ولا تستطيع الخروج عنها، وتجبر على مسايرة المعايير الاجتماعية في مجتمعها.
نقصد بالمجتمع هنا مجتمع الأسرة الصغير والأفراد ذوي السلطة العليا إذ وضع أجدادهم السابقين هذه المعايير والعادات، فأصبحت إرثًا ينتقل من الأجداد إلى الآباء ثم إلى الأبناء وكل من يخالفها ينبذ من مجتمعه.
وتفضل المجتمعات العربية خاصة مثل هذه الموروثات الاجتماعية، ويرفض أغلبهم الخروج عليها تطبيقًا للقيود المجتمعية، فيجبر الرجل والمرأة على الزواج من أقاربهما لعدم وجود خيار آخر لهما، حتى ولو كانا غير راضيين عن هذا الزواج، وبخاصة أن احتمال الزواج من خارج الأسرة يعدّ أمرًا محالًا.
وأثبتت الدراسات العلمية أن نسبة الزواج من الأقارب في المملكة العربية السعودية وصلت الى نسبة 60% وهي نسبة عالية نوعًا ما، وعند مقارنتها بعدد من الدول العربية الأخرى يتضح أن النسب متقاربة؛ مما يجعل من المهم زيادة التوعية الاجتماعية والصحية والنفسية بأضرار هذا النوع من الزواج وسلبياته وآثاره على المجتمعات العربية، ويكون ذلك بإقامة الحملات التوعوية ونشر الثقافة العلمية عن نتائج زواج الأقارب وما يترتب عليه، ولا تنكر جهود المملكة العربية السعودية في نشر الوعي المجتمعي وإقامة برامج كثيرة للحد من انتشار الأمراض الوراثية، فقد قامت بجهود جبارة في هذا المجال ومنها؛ إنشاء برنامج الفحص الطبي قبل الزواج فأصبح من غير الممكن عقد النكاح رسميًا دون هذا الفحص الذي يهدف إلى الكشف عن الأمراض الوراثية والمعدية التي من الممكن أن تصيبهم من جراء هذا الزواج، ويهدف كذلك إلى زيادة التوعية بالزواج الصحي لتجنب ظهور العديد من المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية للأسر في المجتمع.